ركز كثير من الباحثين اهتمامهم للوصول إلى شفرة ثابتة لتأويل رموز الحلم ، وهذا واضح لدى بعض علماء النفس وعلى رأسهم سيجموند فرويد ، وعلماء الدين أيضاً وعلى رأسهم محمد بن سيرين ، والنابلسي ، والظاهري ، بل أن الوصول إلى الدلالات الثابتة لرموز الحلم قد وضح جلياً لدى قدماء المصريين فالتفسير بالشفرة الرمزية للْحُلم كان أمر شائع منذ القدم .
ويشير الحفني إلى أنه في حين يرى فرويد أن الرمز يرمز للشيء مباشرة وبالتالي فإن الرمز يكون ثابتاً غالباً ، فكل ما هو مشقوق مثلاً قد يصلح رمزاً للفرج ، نجد في النظرية الوظيفية في تفسير الأحلام أن الرمز صورة ذهنية عند الحالم هي تصوره للمرموز ولا تنفصل عن الحالم وتعكس ديناميات شخصيته ، ولذلك فحل شفرة الرمز مسألة صعبة تحتاج إلى الإحاطة بتصورات الحالم عن العالم المحيط به واستقراء النص الحلمي الذي ترد فيه الصور المرموز بها عن الشيء .
ووفقاً لنجيب بدوي فإنه قد ثبت أن كثيراً من الرموز تقبل تفسيرين أحدهما مادي والآخر وظيفي ، ومن أمثلة التأويل المادي ما قال به فرويد من رموز جنسية ، أما التفسير الوظيفي فمن قبيل اعتبار الثعبان رمزاً للمعرفة أو الحكمة أو العدو ، والدبلة رمزاً للزواج ، والصعود رمزاً للطموح أو الرفعة ، والديك رمزاً للخيانة ( لقول السيد المسيح عليه السلام لبطرس : ستنكرني ثلاث مرات عند صياح الديك ) ، والنار رمزاً لجهنم وعذاب الآخرة ، ويتضح من هذا أن التفسير الوظيفي يعني أســاساً بالمضمون الصريح للحلم .
ومن الإنصاف أن نذكر أن علماء الدين الإسلامي من المهتمين بتأويل الرؤى ومنهم ابن سيرين والظاهري والنابلسي ، قد فطنوا إلى الدلالات المادية والدلالات الوظيفية للرموز ، وعدم الارتكان إلى الدلالات الثابتة ، بحيث يتم إعطاء الدلالة المناسبة لكل شخص ، ففي دلالة الأنف يرى النابلسي أنه ربما دل الأنف على ما يصل إلى الإنسان من الأخبار على لسان رسول ، وربما دل الأنف على الجاسوس الآتي بالأخبار التي لا يطلع عليها أحد ( تفسير وظيفي ) ، وربما دل الأنف على الفرج أو الدبر لما ينزل منه من المخاط والدم ، أو على القضيب لما ينزل منه من ماء ( تفسير مادي ) .
ومما تقدم نرى أن الرمز الواحد قد يكون له دلالات عديدة ( مادية ووظيفية ) ، وليست هناك بناء على ما تقدم رموز مادية ثابتة ( كما طرحها فرويد في كتاباته ) ، يمكن أن تنطبق على الجميع دون استثناء ، وأنه بالرغم من صدق الرمزية المادية في بعض الحضارات إلا أن المؤول لا يجب أن يلتزم بالدلالات المادية الثابتة في تفسير الرموز ، بل عليه أن يضع أمامه كل الدلالات المادية والوظيفية المحتملة في التأويل ، ويتخير الدلالة التي تتناسب وعمر الحالم ( طفل ، مراهق ، شاب ، شيخ ) وجنسه ( ذكر ـ أنثى ) ، ومستواه الاجتماعي الاقتصادي ، ومستوى تعليمه ، وأحداث حياته الحاضرة ، وتاريخ حياته الماضية ، وخاصة ما تتضمن من ضغوط وصدمات .. الخ ..
وهذا يعني من جهة أخرى أن تفسير رموز الحلم علم يكتسب وفن يمارس ، وإذا كان علماء الدين كانوا يعتمدون أساساً على الفراسة في فهم دلالة الرموز ، فإننا الآن نعتمد إلى جانب ذلك على بعض الفنيات من قبيل فهم النواحي الدينامية لشخصية صاحب الحلم ، وان يتداعى الحالم حول عناصر حلمه ، وفهم دلالة الرموز في إطار صاحب الحلم وكذا ثقافة المجتمع الذي ينتمي إليه ، بل نحن في حاجة كي نفهم دلالة رموز الحلم إلى أن يتم تفسير الرموز في إطار من دراسة الحالة .
وبناء على ذلك فإنه يجب أن يتسم المؤول بالمرونة في التأويل بحيث يضع في اعتباره الدلالات المتعددة المادية والوظيفية ، ويعطي الدلالة التي تتناسب وكل حالة على حده ، فالرمز قد يتم تفسيره بإعطائه معنى محدد لشخص ما ، ونفس الرمز يأخذ معنى آخر لشخص آخر .. من ذلك أن رجلاً رأى في المنام كأنه وجد بيضاً ، فقص رؤياه على معبر فقال : هو للأعزب امرأة وللمتزوج أولاد .
فالرموز إذن ليس لها دلالات مادية ثابتة ( كما هو شائع عن الدلالات الجنسية لرموز الحلم عند فرويد ) ، بل تختلف دلالة رموز الحلم باختلاف المجتمعات ، والثقافات الفرعية داخل المجتمع ، بل من فرد لآخر داخل الجماعة الواحدة ، وذلك لكونها تتسع لتشمل العديد من الدلالات المادية والوظيفية .